البارسا أكثر من مجرد فريق
صفحة 1 من اصل 1
البارسا أكثر من مجرد فريق
تعددت الآراء التاريخية حول سبب إطلاق اسم برشلونة على تلك المدينة الساحلية الواقعة داخل المملكة الإسبانية.. بعض المؤرخين يؤكد أنه جاء من لقب القائد الرومانى «هاميكلار بارسا» الذى قام بتأسيسها أوائل القرن الثالث الميلادى، فى حين يعتقد آخرون أن التسمية مشتقة من الكلمة اللاتينية بارسينو، التى حرفها العرب إلى برشلونة ونطقها الإسبان برثلونة.
خلال زياراتى المتعددة لهذه البلدة الساحرة حاولت مرارًا حضور مباراة فى ملعب الكامب نو، لكن ذلك لم يكن متاحًا بسهولة نظرًا لندرة التذاكر المطروحة للبيع، حيث إن معظم المقاعد يكون محجوزًا مسبقًا لأعضاء النادى -يطلق عليهم شركاء- ولحاملى البطاقات الموسمية الذين يتنازلون عنها أحيانًا مقابل أسعار فلكية تفوق قدراتى المادية. الصدفة البحتة لعبت دورًا فى تحقيق رغبتى الملحة عام 2009، حين التقيت مع أحد أصدقائى الكاتالان الذى بشرنى باحتمالية قدرته على مساعدتى فى حضور لقاء الغد بين البارسا وأتليتيكو بلباو، فلما سألته كيف؟ أجاب بالنص: أصل أنا وأبويا معانا كارنيهات دخول كل الماتشات وبنروح دايمًا مع بعض، بس النهارده إحنا اتخانقنا ويمكن واحد فينا ميروحش. دعوت الله من صميم فؤادى أن لا يتم التصالح بينهما مدة 24 ساعة فقط، ودعوته ليلتها على العشاء عملا بمبدأ: اللى يقدم السبت يلاقى الحد قدامه، ثم ودعته وأنا أحلم بالوجود داخل الاستاد الشهير ورؤية فريقى المفضل يلعب على الطبيعة. لم أتحرك من المنزل طوال اليوم التالى انتظارًا للمكالمة الموعودة التى جاءت عند تمام السادسة مساءً واقتصرت على 7 كلمات: «هأعدى عليك بعد نصف ساعة، إستنانى تحت».. خلال ثوانٍ معدودة كنت أقف فى الشارع متلهفًا لاستقبال صديقى الذى جاء فى الموعد المحدد مستقلاًّ «فيسبا»، وقبل أن أركب وراءه وضع على رأسى خوذة الحماية وهو يردد العبارة الخالدة لكل عفاريت الأسفلت على وجه الأرض: إمسك فيا جامد!
إجراءات الدخول عبر البوابات الإلكترونية استغرقت نحو 4 دقائق، سرنا بعدها بين الممرات الطويلة حتى وصلنا إلى أماكننا فى المدرجات وأنا أرتجف من شدة الإثارة وانخفاض درجة الحرارة البالغة 3 تحت الصفر، لكننى تناسيت كل شىء عندما وقع بصرى على المستطيل الأخضر الحريرى الذى كثيرًا ما تمنيت ملامسته والجرى بين جنباته. عندما حانت لحظة دخول الفريقين وقفت مع الجميع لنردد معًا نشيد النادى الذى يقول مطلعه: «كل الملعب يهتف نحن شعب البلوجرانا... اجتزنا سنين طويلة من العمل الشاق بفضل اتحادنا... وها قد أظهرنا أن لا أحد يستطيع أن يقهرنا... الأزرق والأحمر فى الأفق... لدينا اسم يعرفه كل العالم... بارسا بارسا باااارسا»، ثم جلست كى أتابع بانبهار شديد مهارات إنييستا وتمريرات شابى ومراوغات ميسى التى انتزعت صرخاتى المدوية وأنستنى إجادتى للغة الإسبانية، فصحت بلهجتنا المصرية: يا ولد.. يا ولد.. يا ولد! مر الوقت سريعًا وانتهى اللقاء بفوز ساحق لكتيبة برشلونة، لتبدأ الجموع فى مغادرة المكان تباعًا، أما أنا فقد بقيت متسمرًا فوق مقعدى ولم أتزحزح إلا بعد أن جذبنى رفيقى ودفعنى دفعًا نحو بوابات الخروج. ركبت وراءه الفيسبا من جديد وقطعنا الطريق تحت زخات المطر الغزير حتى وصلنا لمقر إقامتى، وقبل أن أنزل سألنى: اتبسطت؟ فنظرت إليه دون أن أنبس بكلمة، لكن تعبيرات وجهى ونظرات عينى كانتا كافيتين للرد على سؤاله.
نادى برشلونة العريق تأسس أواخر القرن قبل الماضى على يد رجل الأعمال السويسرى هانز جامبر الذى غير اسمه ليصبح چوان، عقب حصوله على الجنسية الإسبانية، وكان اللاعبون يتدربون فى البداية داخل الحدائق والشوارع إلى أن تم بناء أول ملعب رسمى للفريق عام 1909، وأقيم الاستاد الثانى «ليس كورتس» سنة 1929بطاقة استيعابية بلغت 30 ألف مشاهد، تمت زيادتها فى ما بعد لتصبح الضعف تقريبًا، قبل أن تقوم الحكومة الديكتاتورية بإغلاقه وطرد جامبر من البلاد بسبب هتاف الجماهير ضد الحاكم العسكرى خلال إحدى المباريات. الصحفى الثائر چوسيب سونيول تولى الرئاسة إبان فترة الحرب الأهلية وبدأ فى تنفيذ عديد من الخطط المعمارية والأعمال التوسعية، غير أنه تعرض للاعتقال ثم الإعدام على يد قوات الجنرال فرانكو، التى قامت بقصف الاستاد وتدمير جزء كبير من منشآته ووثائقه، فضلاً عن تسليم شؤون الإدارة لأحد الضباط الذى أصدر فرمانًا بإلغاء التسمية الرسمية باللغة الكتالونية «فوتبول كلوب برثلونه»، وإعطائه مسمى جديدًا بالإسبانية «كلوب دى فوتبول برثلونه»، وهو ما أدى إلى اندلاع ثورة سكان المقاطعة الذين قاتلوا من أجل الحفاظ على هوية ذلك الكيان الرياضى المعبر عن شخصيتهم الإقليمية المستقلة، فكان لهم ما أرادوا وعاد الاسم الأصلى ليزين واجهة الصرح الكبير.
ملعب الكامب نو الحالى شيد عام 57 بسعة 92 ألف متفرج -وصلت الآن إلى 99 ألفًا- وملحق به عديد من الأبنية الهامة أشهرها متحف «نونيز» الذى يضم بين جنباته تاريخ البارسا ومقتنياته من الكؤوس والجوائز والتذكارات على مر العصور، مما جعله مزارًا سياحيًّا يدر دخلاً سنويًّا يقدر بعشرات الملايين. هناك أيضًا أكاديمية إعداد الناشئين «لا ماسيا» التى صارت مقصدًا لكل راغبى دراسة فنون التدريب وتعلم حرفة صناعة نجوم كرة القدم، بعد نجاحها المذهل فى إفراز كم هائل من المواهب المتفردة مثل جوارديولا وشابى وميسى.
العام القادم سيشهد بداية أعمال تطوير الكامب نو التى ستضمن تغطيته بسقف متحرك يحمى المشاهدين من تقلبات الطقس، وزيادة عدد المقاعد إلى 105 آلاف ليصبح ثالث أكبر استاد فى العالم بعد «رونجرادو ماى داى» الكورى الجنوبى و«سولت ليك» الهندى، فضلاً عن إقامة جراج تحت الأرض يتسع لأكثر من 30 ألف سيارة.
خلال زياراتى المتعددة لهذه البلدة الساحرة حاولت مرارًا حضور مباراة فى ملعب الكامب نو، لكن ذلك لم يكن متاحًا بسهولة نظرًا لندرة التذاكر المطروحة للبيع، حيث إن معظم المقاعد يكون محجوزًا مسبقًا لأعضاء النادى -يطلق عليهم شركاء- ولحاملى البطاقات الموسمية الذين يتنازلون عنها أحيانًا مقابل أسعار فلكية تفوق قدراتى المادية. الصدفة البحتة لعبت دورًا فى تحقيق رغبتى الملحة عام 2009، حين التقيت مع أحد أصدقائى الكاتالان الذى بشرنى باحتمالية قدرته على مساعدتى فى حضور لقاء الغد بين البارسا وأتليتيكو بلباو، فلما سألته كيف؟ أجاب بالنص: أصل أنا وأبويا معانا كارنيهات دخول كل الماتشات وبنروح دايمًا مع بعض، بس النهارده إحنا اتخانقنا ويمكن واحد فينا ميروحش. دعوت الله من صميم فؤادى أن لا يتم التصالح بينهما مدة 24 ساعة فقط، ودعوته ليلتها على العشاء عملا بمبدأ: اللى يقدم السبت يلاقى الحد قدامه، ثم ودعته وأنا أحلم بالوجود داخل الاستاد الشهير ورؤية فريقى المفضل يلعب على الطبيعة. لم أتحرك من المنزل طوال اليوم التالى انتظارًا للمكالمة الموعودة التى جاءت عند تمام السادسة مساءً واقتصرت على 7 كلمات: «هأعدى عليك بعد نصف ساعة، إستنانى تحت».. خلال ثوانٍ معدودة كنت أقف فى الشارع متلهفًا لاستقبال صديقى الذى جاء فى الموعد المحدد مستقلاًّ «فيسبا»، وقبل أن أركب وراءه وضع على رأسى خوذة الحماية وهو يردد العبارة الخالدة لكل عفاريت الأسفلت على وجه الأرض: إمسك فيا جامد!
إجراءات الدخول عبر البوابات الإلكترونية استغرقت نحو 4 دقائق، سرنا بعدها بين الممرات الطويلة حتى وصلنا إلى أماكننا فى المدرجات وأنا أرتجف من شدة الإثارة وانخفاض درجة الحرارة البالغة 3 تحت الصفر، لكننى تناسيت كل شىء عندما وقع بصرى على المستطيل الأخضر الحريرى الذى كثيرًا ما تمنيت ملامسته والجرى بين جنباته. عندما حانت لحظة دخول الفريقين وقفت مع الجميع لنردد معًا نشيد النادى الذى يقول مطلعه: «كل الملعب يهتف نحن شعب البلوجرانا... اجتزنا سنين طويلة من العمل الشاق بفضل اتحادنا... وها قد أظهرنا أن لا أحد يستطيع أن يقهرنا... الأزرق والأحمر فى الأفق... لدينا اسم يعرفه كل العالم... بارسا بارسا باااارسا»، ثم جلست كى أتابع بانبهار شديد مهارات إنييستا وتمريرات شابى ومراوغات ميسى التى انتزعت صرخاتى المدوية وأنستنى إجادتى للغة الإسبانية، فصحت بلهجتنا المصرية: يا ولد.. يا ولد.. يا ولد! مر الوقت سريعًا وانتهى اللقاء بفوز ساحق لكتيبة برشلونة، لتبدأ الجموع فى مغادرة المكان تباعًا، أما أنا فقد بقيت متسمرًا فوق مقعدى ولم أتزحزح إلا بعد أن جذبنى رفيقى ودفعنى دفعًا نحو بوابات الخروج. ركبت وراءه الفيسبا من جديد وقطعنا الطريق تحت زخات المطر الغزير حتى وصلنا لمقر إقامتى، وقبل أن أنزل سألنى: اتبسطت؟ فنظرت إليه دون أن أنبس بكلمة، لكن تعبيرات وجهى ونظرات عينى كانتا كافيتين للرد على سؤاله.
نادى برشلونة العريق تأسس أواخر القرن قبل الماضى على يد رجل الأعمال السويسرى هانز جامبر الذى غير اسمه ليصبح چوان، عقب حصوله على الجنسية الإسبانية، وكان اللاعبون يتدربون فى البداية داخل الحدائق والشوارع إلى أن تم بناء أول ملعب رسمى للفريق عام 1909، وأقيم الاستاد الثانى «ليس كورتس» سنة 1929بطاقة استيعابية بلغت 30 ألف مشاهد، تمت زيادتها فى ما بعد لتصبح الضعف تقريبًا، قبل أن تقوم الحكومة الديكتاتورية بإغلاقه وطرد جامبر من البلاد بسبب هتاف الجماهير ضد الحاكم العسكرى خلال إحدى المباريات. الصحفى الثائر چوسيب سونيول تولى الرئاسة إبان فترة الحرب الأهلية وبدأ فى تنفيذ عديد من الخطط المعمارية والأعمال التوسعية، غير أنه تعرض للاعتقال ثم الإعدام على يد قوات الجنرال فرانكو، التى قامت بقصف الاستاد وتدمير جزء كبير من منشآته ووثائقه، فضلاً عن تسليم شؤون الإدارة لأحد الضباط الذى أصدر فرمانًا بإلغاء التسمية الرسمية باللغة الكتالونية «فوتبول كلوب برثلونه»، وإعطائه مسمى جديدًا بالإسبانية «كلوب دى فوتبول برثلونه»، وهو ما أدى إلى اندلاع ثورة سكان المقاطعة الذين قاتلوا من أجل الحفاظ على هوية ذلك الكيان الرياضى المعبر عن شخصيتهم الإقليمية المستقلة، فكان لهم ما أرادوا وعاد الاسم الأصلى ليزين واجهة الصرح الكبير.
ملعب الكامب نو الحالى شيد عام 57 بسعة 92 ألف متفرج -وصلت الآن إلى 99 ألفًا- وملحق به عديد من الأبنية الهامة أشهرها متحف «نونيز» الذى يضم بين جنباته تاريخ البارسا ومقتنياته من الكؤوس والجوائز والتذكارات على مر العصور، مما جعله مزارًا سياحيًّا يدر دخلاً سنويًّا يقدر بعشرات الملايين. هناك أيضًا أكاديمية إعداد الناشئين «لا ماسيا» التى صارت مقصدًا لكل راغبى دراسة فنون التدريب وتعلم حرفة صناعة نجوم كرة القدم، بعد نجاحها المذهل فى إفراز كم هائل من المواهب المتفردة مثل جوارديولا وشابى وميسى.
العام القادم سيشهد بداية أعمال تطوير الكامب نو التى ستضمن تغطيته بسقف متحرك يحمى المشاهدين من تقلبات الطقس، وزيادة عدد المقاعد إلى 105 آلاف ليصبح ثالث أكبر استاد فى العالم بعد «رونجرادو ماى داى» الكورى الجنوبى و«سولت ليك» الهندى، فضلاً عن إقامة جراج تحت الأرض يتسع لأكثر من 30 ألف سيارة.
ذياد الزين- المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 03/06/2020
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى